إنه زمن جديد
يعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أحد أكثر الصراعات تعقيدا واستعصاء في العالم اليوم، وكان مصدر خلاف كبير بين القوى الدولية لعدة عقود. وقد دأبت الولايات المتحدة، بوصفها قوة دولية كبرى وحليفة قديمة لإسرائيل، على اتخاذ موقف منحاز في الصراع، حيث قدمت دعما غير مشروط للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وممارسة العنف الشديد ضد السكان المدنيين الفلسطينيين. في هذه المقالة، سوف نستكشف بإيجاز أسباب هذا التحيز، وندرس تداعيات تصرفات الولايات المتحدة على مستقبل الصراع.
بادئ ذي بدء ، من المهم أن نفهم تاريخ الصراع. الشعب اليهودي له تاريخ طويل في اوروبا، وبعد قرون من الاضطهاد على أيدي الاوروبيين انتهى برمي اليهود في حجرات الغاز بالاشتراك بين النازيين ومن حالفهم من الفاشيين الفرنسييين والإيطاليين وسواهم، بدأ قادة الصهيونية السياسية البحث عن مكان للجوء في أواخر القرن 19. أثناءالحرب تحالفوا مع النازيين ليسهلوا هجرة نخب اليهود إلى فلسطين.
بعد الهولوكوست ، سعى القادة الصهاينة إلى إقامة وطن في فلسطين بوعد من السياسي البريطاني لورد بلفور ، حيث كانت فلسطين تحت احتلال بريطانيا، مما أدى إلى إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948 بتشجيع من الصهيونية الامريكية التي كانت لها علاقات مع النازية في الثلاثينات قبل أن تحارب ألمانيا. واعتبر الصهاينة إنشاء دولة صهيونية في فلسطين انتصارا عظيما، واعترفت به الأمم المتحدة رسميا بعد اعتراف امريكا التي تستضيف مقرها. غير أن العملية الاستعمارية الصهيونية- الغربية المشتركة شكلت أيضا ضربة مدمرة للشعب الفلسطيني، الذي عاش في المنطقة لقرون وأجبر انذاك على الفرار من دياره تحت المساومات والتهديد والترهيب والإرهاب، لا سيما وقد اخفقت الجيوش العربية في الدفاع عن الأراضي العربية . وفي العقود التي تلت ذلك، أصبح الصراع أكثر ترسخا، حيث تبادل الجانبان العنف.
إن موقف الولايات المتحدة المنحاز في الصراع متجذر في صهيونيتها الأصلية، حيث أنها لم تقم سوى على إبادة الشعب الأمريكي الأصيل (الهنود الحمر كما يسمونهم)، فضلا عن استعباد الأفارقة.العقيدة الأمريكية غير المكتوبة (لكنهم لم يستطيعوا فسخها من ذاكرة التاريخ) أن الاستعمار الناجح هو الذي يتأسس على إبادة السكان الأصليين، ودعك من الكلام الفارغ عن أن أمريكا هي بلد الحرية، فهو جعجعة دعائية. الحقيقة الواضحة أن أمريكا نظام فاشي عالمي. لذلك استطاع التفاهم مع اليهود الصهاينة الذين كان لهم مطامع في البلاد العربية.
كانت الولايات المتحدة تاريخيا داعما ماليا وعسكريا رئيسيا لإسرائيل ، حيث قدمت مليارات الدولارات من المساعدات والأسلحة لدعم الحثالة من أفراد العصابات الإرهابية التي سموها الجيش الإسرائيلي. وقد مكن هذا الدعم إسرائيل من مواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية، وممارسة العنف الشديد ضد السكان المدنيين الفلسطينيين. كما سمح للولايات المتحدة بالوصول إلى موارد قيمة في المنطقة، مثل النفط والغاز، فضلا عن الحفاظ على وجود عسكري استراتيجي في الشرق الأوسط. وكانت وسيلتها المفضلة هي الترهيب والمساومة، خاصة حين تواجه زعماء عربا ضعاف الشخصية، طماعين، دكتاتوريين، وشعوبا غلبانة، مقهورة، لا حول لها ولا قوة. أما الذين صمدوا أمامها، فقد دبرت لهم أمريكا المؤامرات وجيشت لهم الجيوش حتى من داخل بلدانهم لمقاتلتهم وإسقاطهم. تغير الوضع بعد ذلك، بفضل التعليم والتربية، وصعود أجيال جديدة قادرة على مقاتلة أمريكا وشن الحرب ضدها في أي مكان، بما في ذلك على أراضيها.
بالإضافة إلى ذلك، تشكل تحيز الولايات المتحدة في الصراع من خلال سياساتها الداخلية. الولايات المتحدة هي موطن لوبي كبير وقوي مؤيد لإسرائيل ، والذي دفع باستمرار من أجل دعم الولايات المتحدة للسياسات الإسرائيلية ، بغض النظر عن العواقب على الشعب الفلسطيني والعرب. كما لعب هذا اللوبي من الأنذال، الذي يملك ثروات كبرى، دورا رئيسيا في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مما جعل من الصعب على أي حكومة أمريكية اتباع نهج أكثر توازنا تجاه الصراع.
إن الآثار المترتبة على موقف الولايات المتحدة المتحيز في الصراع بعيدة المدى. أولا وقبل كل شيء، مكنت إسرائيل من مواصلة احتلالها للأراضي الفلسطينية والتوسع، والانخراط في سياسات قمعية وعنيفة ضد الشعب الفلسطيني. وقد أدى ذلك إلى معاناة واسعة النطاق وانتهاكات لحقوق الإنسان، وأدى إلى تفاقم التوترات في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فقد حال دون إحراز تقدم في المفاوضات بين الجانبين، وحد من قدرة المجتمع الدولي على تيسير التوصل إلى حل سلمي للصراع، لا سيما والعرب لا حول لهم ولا قوة على مستوى الزعامة، حيث تملكهم أمريكا امتلاك العبيد. أما الشعوب، فالأمر مختلف.
وفي نهاية المطاف، كان لدعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل ورفضها اتخاذ نهج أكثر توازنا في التعامل مع الصراع تأثير مدمر على الشعب الفلسطيني والمنطقة ككل. من الواضح أن الولايات المتحدة لن تتخذ نهجا أكثر إنصافا في التعامل مع الصراع ولن تعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام تفاوضي يحترم حقوق الجانبين. والذين ينتظرون ذلك من عقود من الزمن، إما يكذبون على أنفسهم وعلى شعوبهم ويصدقون كذبهم، وإما سذج مغفلون، لا يفهمون بوعها من كوعها.
والمهم، أن “حماس” أعادت عقارب الساعة المتخلفة إلى الوقت الصحيح، بعمليتها يوم 7 أكتوبر، التي دخلت التاريخ كمؤشر على تغير الزمن وتغير الأجيال وتغير الزعامات وتغير الشرق الأوسط والعالم العربي.
إنه زمن جديد يبدأ.