أثيوبيا ومصر والسودان وأزمة السد - أوراق الدكتور هشام القروي

د.هشام القروي

(المقال منشور أصلا بالانجليزية في صوت المتوسط)

من الواضح أن هناك مشكلة بين إثيوبيا ومصر والسودان، والسبب هو المياه. يعود النزاع بين هذه الدول الثلاث على نهر النيل إلى عوامل تاريخية وجغرافية عميقة الجذور.
تاريخيًا، يتأثر النزاع بمعاهدات الحقبة الاستعمارية التي منحت مصر سيطرة كبيرة على مياه النيل، والتي لم تكن إثيوبيا ودول المنبع الأخرى طرفًا فيها، مما أدى إلى ادعاءات مصر بـ”حقوق تاريخية“ (لوسون، 2017). كانت هذه المعاهدات مصدرًا للخلاف حيث تسعى إثيوبيا، بميزتها الجغرافية كدولة المنبع، إلى توزيع أكثر إنصافًا لموارد النهر (إيجيغو، 2016). وقد أدى بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى زيادة حدة هذه التوترات، حيث يمثل تأكيد إثيوبيا على حقوقها في استخدام نهر النيل لتنميته، متحدية بذلك الهيمنة المائية المصرية طويلة الأمد (Ejigu, 2016). من الناحية الجغرافية، يعد نهر النيل مصدرًا مائيًا بالغ الأهمية للدول الثلاث، حيث تعتمد مصر والسودان بشكل كبير على تدفقه للزراعة وإمدادات المياه. إن موقع إثيوبيا عند منبع النهر يمنحها نفوذاً كبيراً استخدمته لتغيير ديناميكيات القوة في المنطقة (Ejigu, 2016). إن انحياز السودان المتحول من مصر إلى إثيوبيا يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي، حيث دعم السودان تاريخياً موقف إثيوبيا من سد النهضة، مدركاً الفوائد المحتملة للسد من أجل إدارة المياه واحتياجاتها من الكهرباء (لوسون، 2017) (إيجيغو، 2016). بالإضافة إلى ذلك، تضيف قضايا الحدود العالقة بين إثيوبيا والسودان، النابعة من ترسيم الحدود في الحقبة الاستعمارية، طبقة أخرى من التعقيد إلى الديناميكيات الإقليمية، حيث لم يتم تحديد هذه الحدود بوضوح، مما أدى إلى نزاعات دورية (ووبنه، 2015). إن التفاعل بين هذه المعاهدات التاريخية والمواقع الجغرافية والتحالفات المتغيرة يؤكد الطبيعة المتعددة الأوجه للنزاع، مما يستلزم حلولاً تعاونية لضمان الإدارة المستدامة للمياه والاستقرار الإقليمي (سوزا وجارا، 2023) (إيجيغو، 2016).

سد النهضة الإثيوبي الكبير

سد النهضة هو مشروع سد كهرومائي ضخم على نهر النيل الأزرق في إثيوبيا. إنه أحد أكبر مشروعات البنية التحتية في أفريقيا وهو قيد الإنشاء منذ عام 2011. الأغراض الأساسية للسد هي
توليد الطاقة الكهربائية لسكان إثيوبيا واقتصادها المتزايدين
توفير المياه للري
للتحكم في الفيضانات في دول المصب. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021)

المشاكل الرئيسية التي يثيرها سد النهضة:

أ) مخاوف الأمن المائي:
تعتمد مصر اعتمادًا كبيرًا على نهر النيل في إمدادات المياه، حيث يأتي حوالي 95% من مياهها العذبة من نهر النيل.
هناك مخاوف من أن السد يمكن أن يقلل بشكل كبير من كمية المياه المتدفقة إلى مصر، خاصة خلال فترة ملء خزان السد. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021)

ب) التأثير الزراعي
تعتمد كل من مصر والسودان على النيل في الزراعة.
ويمكن أن يؤثر انخفاض تدفق المياه على غلة المحاصيل والأمن الغذائي في هذين البلدين. (أوديدي وأويو، 2021)

ج) المخاوف البيئية:
يمكن أن تؤثر التغيرات في تدفق المياه على النظام البيئي للنيل والتنوع البيولوجي.
هناك مخاوف بشأن التغيرات المحتملة في أنماط الترسيب، مما قد يؤثر على خصوبة التربة في مناطق المصب. (بورجي، 2013؛ أوديدي وأويو، 2021)

د) الآثار الاقتصادية:
تمتد مخاوف مصر لتشمل الآثار الاقتصادية المحتملة، بما في ذلك الآثار على توليد الطاقة الكهرومائية في السد العالي في أسوان. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021)

ه) التوترات الجيوسياسية:
أصبح سد النهضة مصدر توتر دبلوماسي بين إثيوبيا ومصر والسودان.
هناك خلافات حول حقوق المياه وإدارة ملء السد وتشغيله. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021؛ كواجلياروتي، 2023)

الوضع الحالي للمفاوضات

أدى بناء وتشغيل سد النهضة إلى مفاوضات وتوترات مستمرة بين إثيوبيا ومصر والسودان:
تنظر إثيوبيا إلى السد باعتباره أمرًا حاسمًا لتنميتها وتجادل بأن لها الحق في الاستفادة من مواردها الطبيعية.
بينما ترى مصر السد تهديدًا وجوديًا لأمنها المائي.
أما السودان فموقفه أكثر تعقيدًا، حيث يرى كلًا من الفوائد المحتملة (السيطرة على الفيضانات) والمخاطر (التأثير على سدوده).

وقد استمرت المفاوضات لسنوات، وشارك فيها العديد من الوسطاء الدوليين، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والأمم المتحدة. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل حتى الآن. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021؛ كوالياروتي، 2023)

هل تتجه المنطقة نحو الحرب؟

في حين أن التوترات مرتفعة، من المهم أن نلاحظ أنه حتى الآن، لم يتصاعد الوضع إلى حرب. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن احتمال نشوب صراع:
أ) الخطاب:
كانت هناك حالات من الخطابات القوية من جميع الأطراف، لا سيما بين مصر وإثيوبيا.
وقد ألمح بعض المسؤولين المصريين في السابق إلى العمل العسكري كملاذ أخير، على الرغم من أن هذا يُنظر إليه عمومًا على أنه موقف دبلوماسي. (إلكبهار ومركان، 2023؛ ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366)

ب) الجهود الدبلوماسية:
على الرغم من التوترات، انخرطت جميع الأطراف في مفاوضات دبلوماسية، مبديةً استعدادها لإيجاد حل سلمي.
وقد شاركت هيئات دولية مثل الاتحاد الأفريقي بنشاط في الوساطة في النزاع. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص. 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021؛ كوالياروتي، 2023)

ج) المصالح المتبادلة:
جميع الدول المعنية لديها حوافز قوية لتجنب الحرب، نظراً للعواقب المدمرة المحتملة على المنطقة بأسرها. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021)

د) الضغط الدولي:
ما فتئ المجتمع الدولي يحث على الحل السلمي، مما يزيد من الضغط على جميع الأطراف لتجنب المواجهة العسكرية. (ماثيوز وفيفودا، 2023، ص 333-366؛ أوديدي وأويو، 2021؛ كواغلياروتي، 2023)

الخلاصة:

إن المشكلة الرئيسية التي يثيرها سد النهضة الإثيوبي اليوم هي الانخفاض المحتمل في تدفق المياه إلى دولتي المصب، لا سيما مصر والسودان. وهذا يثير مخاوف بشأن أمن المياه، والإنتاجية الزراعية، والآثار البيئية، والآثار الاقتصادية على هذه الدول. وقد خلق هذا الوضع توترات دبلوماسية كبيرة بين إثيوبيا ومصر والسودان.
وفي حين أن الخطاب كان قوياً في بعض الأحيان، وهناك مخاوف بشأن احتمال نشوب صراع، إلا أنه سيكون من السابق لأوانه استنتاج أن المنطقة تتجه بشكل نهائي نحو الحرب. فالجهود الدبلوماسية مستمرة، وهناك حوافز قوية لجميع الأطراف لإيجاد حل سلمي. ومع ذلك، لا يزال الوضع حساساً ويتطلب إدارة حذرة ووساطة دولية مستمرة لمنع التصعيد إلى صراع مسلح.

المراجع

Matthews, Ron, and Vlado Vivoda. “‘Water Wars’: Strategic Implications of the Grand Ethiopian Renaissance Dam.” Conflict, Security & Development 23 (2023): 333–66.

Odidi, S., & Oyoo, R. O. (2021). Hydropolitics of the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD): Appraising the Socio-Economic and Security Implications. International Journal of Scientific and Research Publications (IJSRP).

Borji, Tadesse Tufa. “Sedimentation and Sustainability of Hydropower Reservoirs: Cases of Grand Ethiopian Renaissance Dam on the Blue Nile River in Ethiopia,” 2013.

Quagliarotti, D. (2023). Will the Nile River Turn into a Lake? The Grand Ethiopian Renaissance (GERD) Dam Case-Study. Global Environment.