إسرائيل تشعل حريقا قد لا ينطفئ
د. هشام القروي
تمثل العملية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت عناصر من حزب الله في لبنان وسوريا من خلال أجهزة اتصال تم تفجيرها عن بعد تصعيداً كبيراً في الصراع الدائر بين إسرائيل وحزب الله. وقد كان لهذا الهجوم المعقد تداعيات عميقة على كلا الطرفين وعلى المنطقة ككل.
العملية
تضمنت العملية تفجير آلاف أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها أعضاء حزب الله في جميع أنحاء لبنان وسوريا في وقت واحد في 17 سبتمبر 2024. وأفادت التقارير أن الاستخبارات الإسرائيلية زرعت موادا متفجرة وأجهزة تفجير عن بعد داخل مجموعة من أجهزة الاستدعاء التايوانية الصنع التي كانت في طريقها إلى لبنان، والتي طلبها حزب الله لتعزيز الاتصالات الداخلية. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 37 شخصًا على الأقل، من بينهم أطفال، وإصابة الآلاف، معظمهم من أعضاء حزب الله.
التداعيات الاستراتيجية
تُظهر هذه العملية قدرات إسرائيل التكنولوجية والاستخباراتية المتقدمة، ما سمح لها باختراق عمق شبكات اتصالات حزب الله. ويرجح ملاحظون غربيون أنها عطلت اتصالات حزب الله الداخلية وفعاليته العسكرية، على الأقل مؤقتًا. كما كشف الهجوم عن نقاط ضعف في التدابير الأمنية لحزب الله، وربما زرع الارتباك والارتياب في صفوفه.
التداعيات الإقليمية
- تصعيد الصراع: دفعت هذه العملية المنطقة إلى صراع أوسع نطاقًا. فقد توعد زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بالرد، مشيرًا إلى أن ”التداعيات حتمية“. وهذا يزيد من خطر اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله.
- التحول في الاستراتيجية الإسرائيلية: وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر على ”إعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم“ كهدف رسمي للحرب. وهذا يشير إلى احتمال توسيع نطاق التركيز العسكري الإسرائيلي إلى الحدود اللبنانية، كما يشير – لا سيما بعد خطاب السيد نصر الله – أن المستوطنين لن يكونوا بأمان إذا عادوا.
- التدخل الإيراني: أشارت إيران، الداعم الرئيسي لحزب الله، إلى دعمها للرد على العدوان الإسرائيلي. وحذّر قائد الحرس الثوري الإيراني من ”رد ساحق حاسم“، ما قد يجرّ إيران بشكل مباشر أكثر إلى الصراع، ويعد إسرائيل بأيام شديدة حالكة.
- الأثر الإنساني: تسببت الهجمات في وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعطلت الحياة اليومية في لبنان، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية القائمة في المنطق.
- التوترات الدبلوماسية: لفتت العملية الانتباه الدولي، حيث عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا طارئًا لمناقشة الوضع المتصاعد. لكن نتيجة الاجتماع كانت صفرية. لم تتم إدانة مرتكبي هذه الجريمة الوحشية التي قتلت أطفالا أبرياء، مع معرفة الجميع بمن ارتكبها.
التداعيات المحتملة على إسرائيل
- الاستعداد العسكري: ستضطر إسرائيل إلى تلقي المزيد من الهجمات من حزب الله، ولن يساعد ذلك في إعادة المستوطنين إلى الشمال كما يريد نتننياهو.
- التدقيق الدولي: سيؤدي تأثير العملية على المدنيين إلى زيادة الانتقادات الدولية الحقوقية والشعبية لتكتيكات وجرائم إسرائيل.
- السياسة الداخلية: يمكن أن تؤثر العملية على الرأي العام الإسرائيلي والديناميكيات السياسية الإسرائيلية، مما يؤدي إلى وضع رئيس الوزراء نتنياهو في مأزق أكبر، لا سيما مع وجود معلومات عن تململ في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
- التأثير الاقتصادي: يمكن أن يكون لتصعيد الصراع آثار سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما في المناطق الشمالية.
الاستقرار الإقليمي
أدت العملية إلى زعزعة استقرار الوضع الهش أصلاً في الشرق الأوسط بشكل كبير. فهي تهدد باستدراج جهات فاعلة إقليمية أخرى، مما قد يؤدي إلى صراع أوسع نطاقًا يشمل دولًا متعددة وجهات فاعلة من غير الدول. ولا يزال الوضع متقلبًا للغاية، مع احتمال التصعيد السريع ، باعتبار الرد المتوقع بلا شك من حزب الله، والحوثيين، وحتى إيران، فضلا عن المقامة الإسلامية الفلسطينية التي لا تزال في أوج قوتها، بل اكتسبت مزيدا من الخبرة الميدانية، وإيمانا مضاعفا بالنصر الحتمي (وهو ما يبدو واضحا مع كل خطاب لأبي عبيدة، الناطق الرسمي).
أخيرا، في حين أن العملية الإسرائيلية أظهرت قدرات إجرامية صعب مجاراتها، إلا أن طول نفسها الاستراتيجي لا يزال موضع شك. فالعواقب على المدى الطويل بالنسبة للمجتمع الإسرائيل الذي يعاني من انهيار غير مسبوق في المعنويات عبرت عنه الثورة الغاضبة ضد نتنياهو. غير مؤكدة ومن المحتمل أن تكون خطيرة. وستكون استجابة المجتمع الدولي وتصرفات اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الحادث سيؤدي إلى اندلاع حريق أوسع نطاقاً أو ما إذا كانت الجهود الدبلوماسية قادرة على منع المزيد من التصعيد.