الأمم المتحدة تدين إسرائيل، فتستمر الغطرسة الإسرائيلية

د. هشام القروي

تتلقى إسرائيل الإدانة وراء الإدانة وكأنها كلمات تشجيع على الاستمرار في القتل حتى إبادة الفلسطينيين عن بكرة أبيهم، بمباركة من الولايات المتحدة. ليس الأمر غريبا، من قوة عظمي بنت نفسها على الجماجم. هناك محيط من الدماء تحت ناطحات سحاب نيويورك وشيكاجو ولوس أنجليس. هل تذكرون “الهنود الحمر” في أفلام الوسترن؟ إنهم فلسطينيو ذلك العصر. فأهلا بكم إلى “ثقافة إبادة البشر” التي توزعها الولايات المتحدة على تلاميذها اليهود الصهاينة، الذين استفادوا أيضا من مدرسة النازية أيما استفادة، وراحوا يطبقون تلك الدروس في أرض فلسطين.

فيا له من مشهد مألوف! ها هي الأمم المتحدة تعيد تمثيل مسرحيتها المعتادة، حيث تقف على المسرح العالمي لتندد بإسرائيل وانتهاكاتها للقانون الدولي. ولكن هل سيتغير شيء؟ دعونا نغوص في هذه المهزلة الدولية التي تتكرر مراراً وتكراراً.

1.1 الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية

آه، الضفة الغربية والقدس الشرقية، تلك الأراضي التي تحولت إلى لوحة سريالية يرسمها الاحتلال الإسرائيلي بفرشاة القمع والاستيطان. منذ عام 1967، وإسرائيل تمارس هوايتها المفضلة في ابتلاع الأراضي الفلسطينية كما لو كانت وجبة شهية على مائدة الاستعمار. المستوطنات تنمو كالفطر السام، والجدار العازل يقطع أوصال الأرض كسكين حاد، بينما يعيش الفلسطينيون في سجن مفتوح تحت رحمة نقاط التفتيش والحواجز العسكرية.

1.2 الهجوم الإسرائيلي على غزة

وكأن مسرحية الاحتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية لم تكن كافية، فإن غزة تقدم الفصل الثاني من هذه التراجيديا الإنسانية. منذ أكتوبر 2023، تحول القطاع إلى ساحة حرب مفتوحة، حيث تمطر إسرائيل السماء بقنابلها وصواريخها كما لو كانت تلعب لعبة فيديو، متناسية أن ضحاياها هم بشر من لحم ودم. الأطفال، النساء، الشيوخ – كلهم أرقام في لعبة الموت هذه، بينما يتفرج العالم ببلادة على شاشات التلفزيون.

2. موقف الأمم المتحدة

2.1 تصريحات فولكر تورك

وها هو فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يقف ليلقي خطابه المنمق في الدورة 57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف. كلماته ترن في أروقة المبنى كصدى فارغ: “إسرائيل تتجاهل القانون الدولي بشكل صارخ”. حقاً يا سيد تورك؟ هل اكتشفت أمريكا للتو؟ ربما كنت نائماً طوال العقود الماضية حين كانت إسرائيل تمارس هذا التجاهل بكل أريحية.

2.2 دعوة للعمل ضد انتهاكات إسرائيل

ويستمر تورك في عزف سيمفونيته الدبلوماسية، داعياً الشركاء في المنظمة إلى “معالجة شاملة” للاحتلال الإسرائيلي. يا لها من كلمات رنانة! “معالجة شاملة”، كما لو كنا نتحدث عن علاج طبي لمرض عضال، وليس عن احتلال عسكري وحشي يستمر منذ عقود. هل يعتقد تورك حقاً أن كلماته ستجعل إسرائيل ترتجف خوفاً وتسحب قواتها فوراً؟

3. التجاهل الإسرائيلي للقانون الدولي

3.1 أمثلة على الانتهاكات الإسرائيلية

دعونا نعدد بعض “إنجازات” إسرائيل في مجال انتهاك القانون الدولي، فالقائمة طويلة ومثيرة للإعجاب حقاً! هناك بناء المستوطنات غير القانونية، وهدم منازل الفلسطينيين كهواية يومية. هذه الأفعال تمثل تحدياً مستمراً للقوانين والمواثيق الدولية. ولكن من يوقف إسرائيل التي لا تخشى العقاب بعد أن أمسكت بخناق الرؤساء الأمريكيين من ترومان إلى بايدن، فضلا عن النواب والشيوخ؟ أتعجب فقط ممن يقولون لنا “ليس هناك مؤامرة صهيونية للسيطرة على العالم”! ربما لا يحتاج الصهاينة السيطرة على العالم أيها السادة. يكفيهم السيطرة على أمريكا، أليس كذلك؟ وهذا ما لا يخفونه. فقد اعترف به آرييل شارون ونتانياهو، وسواهما.

٤. ردود الفعل الدولية: صمت مريب وتواطؤ مخجل

عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يبدو أن المجتمع الدولي يعاني من فقدان مؤقت للسمع والبصر. فبينما تتعالى أصوات الإدانة عند أي انتهاك في أي مكان آخر من العالم، نجد أن الصمت هو سيد الموقف عندما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل.

• الولايات المتحدة: الداعم الأول والأخير

من المضحك المبكي أن نرى الولايات المتحدة، التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، تقف بكل قوتها خلف المذابح التي ترتكبها إسرائيل. ربما نسيت واشنطن أن حق الفيتو ليس ترخيصًا للتغاضي عن جرائم الحرب!

• الاتحاد الأوروبي: بين الشجب اللفظي والعجز العملي

يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد أتقن فن إصدار البيانات دون اتخاذ أي إجراء فعلي. من المؤكد أن هذه البيانات ستردع إسرائيل عن انتهاكاتها… في عالم الخيال فقط!

٥. المستقبل: استمرار المأساة أم بارقة أمل؟

في ظل هذا الوضع المأساوي، يتساءل المرء: هل هناك أي أمل في تغيير حقيقي؟

• سيناريو 1: استمرار الوضع الراهن

إذا استمر الحال على ما هو عليه، فقد نشهد المزيد من الانتهاكات وقرارات الأمم المتحدة التي لا قيمة لها سوى الحبر الذي كتبت به. ربما تصبح الضفة الغربية وغزة متحفًا مفتوحًا لانتهاكات حقوق الإنسان! وفي نفس الوقت، سنشهد تصعيد الكفاح المسلح في الداخل الإسرائيلي، أي أن مزيدا من العمليات سيتم تنظيمها لضرب المدن الإسرائيلية في الصميم. وهذا ما نتوقعه في حالة استمرار بلاهة المتفرجين السلبيين على برنامج “الإبادة الأمريكو إسرائيلية”.

• سيناريو 2: ضغط دولي حقيقي

في عالم مثالي، قد نرى المجتمع الدولي يتخذ موقفًا حازمًا ضد انتهاكات إسرائيل، مع فرض عقوبات حقيقية وإجراءات ملموسة. لكن دعونا لا نحبس أنفاسنا في انتظار ذلك!

الخاتمة:

في النهاية، تبقى قضية فلسطين شاهدة على عجز المجتمع الدولي المفتعل وازدواجية المعايير في السياسة العالمية. فبينما تتوالى قرارات الإدانة من الأمم المتحدة، تستمر إسرائيل في تجاهلها بكل وقاحة، مستفيدة من الدعم الغربي اللامحدود.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: متى سيدرك العالم أن العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية؟ أم أننا سنظل نشهد هذه المسرحية إلى ما لا نهاية؟ بالانتظار، نعتقد أن من يملك الإجابة اليوم هم الفلسطينيون أنفسهم، ومعهم أبو القاسم الشابي:

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ    فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي             ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ    تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ       من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ…

 

 

Scroll to Top