فصل من أول كتاب في سلسلة ”المقاومة“: تاريخ مختصر للمقاومة الفلسطينية ضد الاستعمار الصهيوني

سلسلة: المقاومة

إدارة وتحرير الدكتور هشام القروي

مقدمة في الكفاح ضد الاستعمار باعتباره الطريق المجرَّب لتحرير فلسطين

بقلم د. هشام القروي

لماذا يجب على الحكماء محاولة إعادة هندسة العجلة التي يضرب بها المثل، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن وجودها يمتد لآلاف السنين؟ تمثل ”العجلة“ المعنية مجازًا الكفاح المسلح المناهض للاستعمار ضد خصوم أكثر شراسة. لقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها بالنسبة للعديد من الأمم، وبالتالي من المنطقي أن تكون هذه التكتيكات فعالة بالمثل بالنسبة للفلسطينيين، الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي منذ حوالي 75 عامًا، مدعومًا برعاية القوى الاستعمارية السابقة مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أما المسعى الأخير للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، أي اتفاقات أوسلو، فقد اتضح أنه ترتيب منحرف لصالح الإسرائيليين من جانب واحد. فلم يحصل الفلسطينيون على أي حكم ذاتي، ولا حتى استقلال ظاهري، بسبب سيطرة إسرائيل المطلقة على حياتهم في كل مكان، مما يسمح بإعادة احتلال أو تدمير أي مكان تم إخلاؤه سابقًا. ولحسن الحظ، أدرك الوطنيون الفلسطينيون هذه الحقائق واستأنفوا المقاومة المسلحة. وهم يرددون إيديولوجية ماو تسي تونغ القائلة بأن التحرير يتحقق بفوهة البندقية. وبالتالي، دشنوا العملية الجريئة التي أطلقوا عليها اسم ”طوفان الأقصى“. إن الرحلة نحو التحرير طويلة وشاقة وتتطلب تضحيات جسيمة، لكنها في النهاية تبشر بثمارها. يصل هذا الخطاب إلى منعطف محوري في هذا الصراع الطويل.

***

لا جدال في أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يزال أحد أكثر النزاعات تعقيدًا وطولاً في التاريخ المعاصر. فقد أثّر هذا الصراع الممتد لأكثر من قرن من الزمان على حياة ملايين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل لا يمحى من حياة الفلسطينيين والإسرائيليين، ونسج مصائرهم وتطلعاتهم ومخاوفهم بشكل معقد. ولأني أقدمت على تنفيذ فكرة طالما راودتني، وسيرى القراء بحول الله نتائجها في مجموعة من الكتب تدور جميعا حول النضالات التي خاضتها شعوب مختلفة من أجل التحرر الوطني والاستقلال، تصدر تباعا عن دار “عالم الشرق والغرب” في سلسلة “مقاومة”، فإنني ملتزم التزامًا لا رجعة فيه باستكشاف شامل لطبقات هذا الصراع متعددة الأوجه، وإلقاء الضوء على نشأته التاريخية، والتدقيق في الأحداث الحرجة، وتوضيح وجهات النظر المتباينة للأطراف المعنية.

يتمحور هذا الخلاف حول روايتين متضاربتين: التطلع الصهيوني لوطن يهودي في فلسطين في مقابل السعي الفلسطيني للتحرر الوطني وتقرير المصير. ومع ذلك، فإن جحر الأرنب يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، حيث تتشابك الأصول في التاريخ الطويل للأرض وأهميتها العميقة بالنسبة لشعوب متعددة.

فالانتماء اليهودي لأرض فلسطين غارق في التقاليد التاريخية والدينية القديمة. فعلى مدى آلاف السنين، قدّس اليهود الأرض باعتبارها وطن أجدادهم، ويرجع ذلك أساسًا إلى التوراة. وللقدس، على وجه الخصوص، أهمية دينية عميقة، كونها كانت – وفقا للصهاينة – موقع المعبد اليهودي القديم والحائط الغربي، وهو الموقع الأكثر قداسة في الديانة اليهودية.

وقد سعت الحركة الصهيونية، بقيادة شخصيات بارزة مثل تيودور هرتزل، إلى تحويل هذا التوق التاريخي والديني إلى واقع سياسي. مع تصاعد أحداث معاداة السامية والاضطهاد في أوروبا، اكتسبت ضرورة إقامة وطن لليهود زخمًا خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. حظيت الرؤية الصهيونية، التي دفعها في البداية مفهوم إقامة ملاذ لليهود، بدعم دولي مع صدور وعد بلفور عام 1917. وقد عبّر هذا الوعد، الذي أصدرته الحكومة البريطانية، عن دعم إنشاء ”وطن قومي للشعب اليهودي“ في فلسطين التي لا تملكها حكومة بريطانيا بل تديرها بصك انتداب. ولذلك، في البداية، تبرز مشكلة أساسية تتعلق بالشرعية، حيث كان البريطانيون يفتقرون إلى سلطة منح أراضٍ لا يملكونها لأي مجموعة. كانت الأرض المعنية مأهولة منذ قرون من قبل الفلسطينيين.

ففي الوقت نفسه، يمتلك الشعب الفلسطيني روابط عميقة وطويلة الأمد بالأرض، إلى جانب إرث ثقافي وتاريخي نابض بالحياة. فالفلسطينيون، بصرف النظر عن كونهم مسلمين أو مسيحيين أو يهود، سكنوا المنطقة لقرون طويلة، مما أدى إلى توطيد ارتباطهم بالأرض وتراثها. كما أن انتماءهم للأرض غارق في الأهمية الدينية، لا سيما مع احتضان القدس لمقدسات إسلامية محورية مثل قبة الصخرة والمسجد الأقصى، أول القبلتين وثالث الحرمين. وقد ازدهرت القومية الفلسطينية كرد فعل مباشر على المشروع الصهيوني، وازدادت حدتها بشكل خاص خلال فترة الانتداب البريطاني.

لفهم الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يجب على المرء أن يدرس آثار الحكم الاستعماري البريطاني بشكل نقدي. فقد أثّر الانتداب البريطاني الذي امتد في فلسطين من 1920 إلى 1948 تأثيرًا حاسمًا في مسار الصراع. سعى البريطانيون إلى إقامة وطن يهودي دون اعتبار للمصالح العربية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوترات بين المجتمعات اليهودية والعربية. وتصاعد العداء العربي تجاه الهجرة اليهودية وامتلاك الأراضي بمختلف الطرق، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة متقطعة.

كانت الثورة العربية التي اندلعت في 1936-1939، والتي سببها تفاقم السخط الفلسطيني، بمثابة نقطة تحول بارزة. فقد قام الفلسطينيون، الذين خاب أملهم من السياسات البريطانية والتوسع المستمر في المستوطنات اليهودية، بإضراب وتمرد واسع النطاق ضد القوات البريطانية والمستوطنات الصهيونية. وعلى الرغم من أن الثورة قُمعت في نهاية المطاف، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين، إلا أنها أصبحت فصلاً حاسماً في سعي الفلسطينيين إلى الحكم الذاتي.

رداً على ذلك، أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض لعام 1939، بهدف الحد من الهجرة اليهودية والاستحواذ على الأراضي للتخفيف من المظالم ضد العرب. ومع ذلك، فشلت هذه السياسة في تلبية المطالب العربية بشكل كامل أو تهدئة التطلعات اليهودية لإقامة دولة. وسرعان ما طغى ظهور الحرب العالمية الثانية على تداعيات الكتاب الأبيض، مما أدى إلى تحويل الانتباه العالمي عن القضية الفلسطينية.

مثّلت الآثار الكارثية للحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، التي أشار إليها الفلسطينيون باسم النكبة منعطفًا محوريًا آخر في الصراع. فقد نشبت هذه الحرب بعد رحيل البريطانيين وإعلان دولة إسرائيل، مما وضع الكيان الجديد الناشئ بفضل الدعم الغربي في مواجهة الدول العربية المجاورة. وبلغت الحرب ذروتها في تشريد أكثر من 700,000 فلسطيني، مما خلق أزمة لاجئين عميقة لا تزال دون حل حتى يومنا هذا. ومنذ ذلك الحين، أصبح إنشاء إسرائيل وإقامة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين رمزًا لتسييد إسرائيل على حساب الفلسطينيين الذين سلبوا الحق في العيش الكريم على أرض أجدادهم التاريخية.

استخدم الفلسطينيون على مر العقود العديد من استراتيجيات المقاومة في سعيهم لتقرير المصير. فمن المواجهات المسلحة المبكرة ضد المستوطنات الصهيونية، مثل الثورة العربية 1936-1939 وحرب 1948، إلى ظهور حركات المقاومة اللاعنفية مثل الانتفاضة الأولى (1987-1993) وحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. تجلت المقاومة الفلسطينية في أشكال متنوعة. وبرزت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964 بقيادة شخصيات مثل ياسر عرفات، كمدافع حاسم عن الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية. وفي الوقت نفسه، أضاف صعود حركات  المقاومة الإسلامية، وأبرزها حماس، بُعدًا جديدًا للنضال الفلسطيني. فقد حصلت حماس، التي نشأت كفرع من جماعة الإخوان المسلمين في البداية، على دعم كبير في أوساط الفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة. وقد أدت معارضتها الملتزمة للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب مبادرات الرعاية الاجتماعية الشاملة والحضور الشعبي القوي، إلى  تثبيتها  كإحدى أهم حركات المقاومة الشعبية في الساحة السياسية الفلسطينية.

وعلى الرغم من أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستعصي على الحل، وإن كان محصورًا جغرافيًا في الأراضي التي استحوذت عليها إسرائيل لإقامة دولتها والأراضي الفلسطينية المحتلة في حربي 1947 و1967 إضافة إلى غزة والضفة الغربية، إلا أن الأطراف المجاورة المعنية تأثرت بشكل عميق بالتدخل الدولي لدعم الإسرائيليين – وهم الطرف الظالم – مما فاقم الوضع ووسع رقعة النزاع. فالولايات المتحدة، التي تتمتع بنفوذ عالمي لا مثيل له، نصّبت نفسها باستمرار كوسيط رئيسي. وبهذه الصفة، فقد دعمت إسرائيل دون تحفظ من خلال مجموعة من المخصصات العسكرية والمساعدات المالية والدروع الدبلوماسية، ولا سيما استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإعاقة أي لوم ضد الإجراءات الإسرائيلية. وقد كان هذا الدعم الثابت حجر الزاوية في التدخل الأمريكي الذي تذبذب في كثافته ولكنه ظل مؤيدًا لإسرائيل بشكل قاطع طوال الصراعات المختلفة على مر العقود.

وعلى العكس من ذلك، دافعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بصخب عن مبادرات السلام، وكثيرًا ما دعت إلى حل الدولتين استنادًا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. غير أن دعم هذه الدول غالباً ما يتجلى في شكل خطابات بلاغية بدلاً من التدخل الجوهري، مما يسلط الضوء على وجود انفصام بين التعبير عن التضامن والإجراءات الملموسة.

أما الدول العربية، فقد تطورت مواقفها بشكل ملحوظ. فخلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، أكدت هذه الدول، من خلال جامعة الدول العربية، دعمها الجماعي للنضال الفلسطيني. غير أن هذه الحقبة من التضامن أفسحت المجال لفترة من الإذعان تحت الضغوط المزدوجة للحلف الأمريكي الصهيوني. فقد استسلمت العديد من الحكومات العربية، التي واجهت تهديدات بالدمار الشامل من التحالف الأمريكي الإسرائيلي القوي، وتدريجيًا، واءمت سياساتها مع الإملاءات الصادرة من واشنطن وتل أبيب، متخليةً بذلك عن تحديها السابق.

ولا يزال البحث عن السلام في هذا الصراع الدائم مسعى بعيد المنال. فالشعب الفلسطيني، الذي يستمد أوجه الشبه مع المسارات التاريخية للحركات المناهضة للاستعمار في القرن العشرين، يدرك بشكل متزايد أن السيادة والسلام الحقيقيين لا يمكن بلوغهما إلا من خلال طرائق الصمود والثبات التي ميزت الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية.

وقد شهد القرن العشرين مجموعة من الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار، والتي تحدت كل منها نير القهر الإمبريالي في سعيها لتحقيق الاستقلال. تؤكد هذه الحركات اللامعة على حقيقة أساسية، وهي أن الطريق إلى التحرر والسلام نادراً ما يكون سهلاً، وغالباً ما يتطلب قناعة راسخة وثباتاً جماعياً في مواجهة خصوم ألدّاء. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر ما يلي:

الحركات الأفريقية المناهضة للاستعمار

شمال أفريقيا

  • جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي.
  • حزب الاستقلال المغربي، الذي كافح من أجل الاستقلال عن فرنسا وإسبانيا.
  • الحزب الحر الدستوري الجديد في تونس بقيادة الحبيب بورقيبة، الذي ناضل ضد الحكم الفرنسي.

أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى

  • حزب المؤتمر الشعبي في غانا، بقيادة كوامي نكروما.
  • انتفاضة ماو ماو الكينية والاتحاد الوطني الأفريقي الكيني (KANU).
  • جبهة تحرير موزمبيق و كوريمو (اللجنة الثورية الموزمبيقية).
  • الحركة الشعبية لتحرير أنغولا والجبهة الوطنية لتحرير أنغولا .
  • المؤتمر الوطني الأفريقي الذي ناضل ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
  • حركة المهدي في السودان التي ناضلت من أجل التخلص من الحكم البريطاني.

الحركات الآسيوية المناهضة للاستعمار

  • حركة استقلال الهند، بقيادة شخصيات مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو.
  • حركة الكفاح المسلح “فيتمنه” في فيتنام، بقيادة هو تشي منه ضد التدخل الفرنسي ثم الأمريكي فيما بعد.
  • الحركة الوطنية المناضلة في إندونيسيا من أجل الاستقلال عن الحكم الهولندي.
  • نضال الفلبين ضد الاستعمار الأمريكي.

حركات الشرق الأوسط المناهضة للاستعمار

  • حزب الوفد المصري وحركة الضباط الأحرار في مصر.
  • الحركات المناهضة لبريطانيا في العراق التي أدت إلى ثورة 1958.
  • كفاح سوريا ولبنان ضد حكم الانتداب الفرنسي.

الحركات المناهضة للاستعمار والإمبريالية في أمريكا اللاتينية

  • حركة 26 يوليو في كوبا بقيادة فيدل كاسترو.
  • جبهة التحرير الوطني الساندينية في نيكاراغوا.
  • حركات مختلفة ضد النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة في المنطقة في كامل القارة الجنوبية.

التأثيرات النظرية والأيديولوجية

تأثر العديد من هذه الحركات بالمفكرين والناشطين المناهضين للاستعمار، إن لم يكن بالفكر الديني. على سبيل المثال:

  • الفكر الإسلامي: تأثرت معظم الحركات المناهضة للاستعمار في الدول ذات الأغلبية المسلمة بالدعوة إلى الجهاد في القرآن الكريم. والمقاومة الإسلامية في فلسطين لا تختلف عن ذلك.
  • فرانتز فانون : طوّر نظريات حول دور الثقافة في النضال ضد الاستعمار.
  • ليو تولستوي: أثرت آراؤه المناهضة للاستعمار على حركات التحرر في أفريقيا، لا سيما من خلال تبني محمد خوان غاندي لتكتيكات المقاومة اللاعنفية.
  • أميلكار كابرال وباتريس لومومبا،  القائدان الأفريقيان اللذان لعبا دورا حاسما في الحركات المناهضة للاستعمار في أفريقيا. عُرف كابرال بمقاربته الفكرية للثورة، حيث أكد على أهمية الثقافة والتعليم في النضال التحرري. وكان لومومبا مدافعًا متحمسًا عن الوحدة الأفريقية وسعى إلى تخليص الكونغو من النفوذ الاستعماري. 
  • سيمون بوليفار، المعروف باسم ”إل ليبرتادور“، (المحرر) الذي لعب دورًا حاسمًا في حركات الاستقلال في العديد من دول أمريكا الجنوبية، بما في ذلك فنزويلا وكولومبيا والإكوادور وبيرو وبوليفيا التي سُميت باسمه.

من المهم ملاحظة أن هذه الحركات غالبًا ما استخدمت استراتيجيات مختلفة، من العصيان المدني السلمي إلى الكفاح المسلح. كما أنها كانت مترابطة في كثير من الأحيان، حيث كان النشطاء والأفكار يعبرون الحدود ويؤثرون على بعضهم البعض. على سبيل المثال، ألهم نجاح حركة استقلال غانا تحت قيادة نكروما دولاً أفريقية أخرى في سعيها لتقرير المصير.

وقد شهد القرن العشرين تحولًا دراماتيكيًا في المشهد السياسي العالمي حيث نجحت هذه الحركات المناهضة للاستعمار في تحدي وتفكيك الجزء الأكبر من النظام الاستعماري الذي هيمن على العالم لمدة قرون. ويقف النضال الفلسطيني المناهض للاستعمار شاهدًا على روح المقاومة الدائمة، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنيران المشتعلة للحركات البطولية التي لا تعدّ ولا تحصى عبر القرن العشرين. إن هذه السلالة النابضة بالتحدي تعكس حماسة الشعوب الأفريقية والآسيوية والأمريكية التي تخلصت من أغلال الحكم الاستعماري، ويتناغم بعمق مع الأصداء الثورية التي تتردد في كل مكان لتحقيق سيادة الشعوب وإنهاء بقايا النظام العالمي الإمبريالي الذي لا يزال يحاول السيطرة على مقدرات الجزء الأضخم من البشرية.

تعكس الحركة الفلسطينية المتجذرة في المشهد الجيوسياسي الشرق أوسطي سلسلة متصلة من التحدي والتطلع الموروث من أسلافها المناهضين للاستعمار. وتعكس كذلك الجرأة الاستراتيجية التي شوهدت في مبادرات التحرر الأفريقي، فهي تتبنى حرب العصابات والقنوات الدبلوماسية على حد سواء، وتسعى جاهدةً من أجل رواية وطنية للحرية. وينبثق عن هذا النضال حماسةٌ أيديولوجية شبيهة بتلك التي سرت في الثورات الآسيوية والأمريكية اللاتينية، مما يجعلها لا تندرج كمقاومة إقليمية وحسب، بل كفصلٍ من فصول المختارات العالمية لإنهاء الاستعمار.

وبالتالي، فإن القضية الفلسطينية هي من نضالات العصر الحديث التي لا يمكن التغاضي عنها ولا تصفيتها وإنهاؤها. فهي تجسيد حي للحقبة التاريخية المناهضة للاستعمار، وشهادة على أن الكفاح ضد الظلم والتآمر ضد الشعوب والسعي إلى الهيمنة العالمية لم ينته بعد. إنها تحمل شعلة السعي الحازم من أجل الاستقلال، مستمدةً القوة والإلهام من نسيج المعارك التحررية العالمية، مما يشير إلى خيطٍ متصل من المقاومة والصمود على المسرح السياسي العالمي.

يصدر في نفس السلسلة قريبا بإذن الله، وباللغتين الإنجليزية والعربية، الكتب التالية:

Scroll to Top